وكالة أنباء الحوزة - تناول حجة الإسلام والمسلمين "محمد تقي سبحاني نيا" تحليلًا مقارنًا لإنجازات جبهة المقاومة الفلسطينية وإنجازات الكيان الصهيوني الغاشم، حيث استعرض تأثيرات الصراع المستمر منذ أكثر من عام.
ذكر "سبحاني نيا" في مقاله بعد أن أحصى عددًا من إنجازات الطرفين أن قدرة المقاومة على تعويض خسائرها جعلت الخسائر التي تكبدها العدو غير قابلة للتعويض، بل تتفاقم يومًا بعد يوم. ومع مرور الوقت، تنهار هيبة العدو ويتكشف وجهه القبيح أكثر أمام العالم، مما يدفع كل منصف للاعتراف بهزيمة جبهة الكفر والصهاينة.
وفيما يلي نص المقال:
من بين التساؤلات الجوهرية التي تشغل الأوساط المختلفة للمجتمع، يبرز السؤال التالي: ما هي الإنجازات التي حققتها جبهة المقاومة منذ اندلاع الحرب على غزة وحتى الآن، بعد مرور أكثر من عام؟ وهل تعادل هذه الإنجازات ما فقدته الجبهة في هذا الصراع؟ وهل تفوق المكاسب التي أحرزتها الجبهة على الخسائر التي تكبدتها، أم أن العكس هو الصحيح، حيث تحملت أضرارًا جسيمة تفوق المكاسب، وبهذا تكون "إسرائيل" المحتلة و الغاصبة، هي قد خرجت منتصرة؟
قد يبدو للوهلة الأولى، وبنظرة سطحية وعفوية، أن "إسرائيل" تمكنت عبر قسوتها المفرطة من إرعاب المسلمين، لا سيما في غزة الأبية ولبنان الصامد، وحققت إنجازات بارزة. إلا أن مقارنة دقيقة لتلك الإنجازات قد تفتح أمامنا آفاقًا أوسع لفهم طبيعة القرارات المستقبلية وتمنحنا وعيًا أفضل بأدائنا.
قبل أن نستعرض إنجازات الطرفين، من الضروري أن نتأمل طبيعة هذين الطرفين. فمن جهة، نجد الولايات المتحدة، إلى جانب عدة دول أوروبية تشمل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، يديرون المواجهة بشكل مباشر عبر "إسرائيل". هؤلاء شنوا حربًا مستمرة لأكثر من ست و سبعين عامًا ولا تزال مستعرة حتى يومنا هذا. وخلال هذه المدة الطويلة، انضمت الدول العربية العميلة في المنطقة إلى صفوف المضطهدين والغاصبين، حيث ارتكبوا أنواعًا لا توصف من الجرائم بحق الشعب الفلسطيني المنكوب والمظلوم، وأجبروه على العيش في الشتات والفقر والحرمان لعقود.
وعلى الجانب الآخر، يقف الشعب الفلسطيني المظلوم في الخطوط الأمامية لهذه المعركة، حيث قاتل لسنوات طويلة بالحجارة والعصي، وقاوم بصدق وعزيمة. ومع مرور الوقت، وخلال العقدين الماضيين، تمكن من التسلح ببعض الأسلحة المتطورة إلى حدّ ما والدقيقة بدعم من الثورة الإسلامية في إيران. إلى جانب هذا الشعب المظلوم، برز حزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، والشعب الثوري الصامد في اليمن، والشعب والدولة المناضلة في سوريا، الذين وقفوا جميعًا لدعم الشعب الفلسطيني ومساندته، وساهموا في هذه المعركة غير المتكافئة حسب استطاعتهم.
وبالنظر إلى المشهد العام، يتضح أن هناك على أحد الجانبين أكبر وأقوى دول العالم مصطفة، وقد أرسلت جيشًا مسلحًا بأحدث وأقوى الأسلحة المتقدمة. هذا الجيش، مدعوم بقوة جوية مجهزة تجهيزًا كاملاً، يشن حملات قصف واسعة النطاق بوحشية غير مسبوقة، دون أن يواجه أي عقبات تُذكر. وفي المقابل، نجد جبهة المقاومة الشعبية، المؤلفة من شباب مؤمنين ومصممين، مسلحين بعتاد غيرمتطور جداً وخفيف في أغلبه، لكنهم يتمتعون بعزيمة راسخة، ويدعمهم شعبهم في الوقوف أمام هذه الجرائم والاعتداءات الظالمة بثبات وصمود.
مرور سريع على إنجازات "إسرائيل" في هذه الحرب غير المتكافئة:
في هذه المواجهة بين جبهة الكفر والصهيونية ضد جبهة المقاومة، حققت "إسرائيل" الإنجازات التالية بفضل قوتها المادية و ترسانة السلاح و العتاد الغربي و الإمريكي :
1. تدمير أكثر من ثمانين بالمئة من غزة: شمل ذلك المناطق السكنية والبنية التحتية بشكل شامل، مما جعل غزة اليوم غير صالحة للسكن تقريبًا. وتشير التقديرات إلى أن إعادة إعمارها تحتاج إلى عشرات المليارات من الدولارات وعقد من الزمن.
2. قتل الآلاف من سكان غزة الأبرياء: استهدفت المجازر النساء والرجال والأطفال على حد سواء، إضافة إلى جرح عدد كبير وتشريد كامل سكان غزة البالغ عددهم قرابة مليونَي نسمة.
3. اغتيال عدد كبير من مقاتلي حماس، وخاصة القادة البارزين: شملت هذه العمليات قادة بارزين مثل إسماعيل هنية ويحيى السنوار.
4. اغتيال آلاف المواطنين اللبنانيين: استهدفت الهجمات الصهيونية المدنيين اللبنانيين، مما أوقع عددًا كبيرًا من الشهداء.
5.اغتيال قيادات بارزة في حزب الله: تضمنت قائمة الشهداء شخصيات قيادية مثل السيد حسن نصر الله، السيد هاشم صفي الدين، الشيخ نبيل قاووق، إضافة إلى قادة ميدانيين مثل فؤاد شكر، إبراهيم عقيل، وعلي الكركي وغيرهم.
6. تدمير العديد من البنى التحتية التابعة لحزب الله في المناطق الحدودية: ركزت الهجمات على المواقع الحيوية لحزب الله على طول الحدود اللبنانية.
7. تدمير أجزاء كبيرة من الضاحية الجنوبية ومناطق سكنية واسعة في جنوب لبنان: طالت العمليات الإسرائيلية المساكن والبنية التحتية، مما تسبب في خسائر هائلة.
8. إلحاق خسائر بشرية ومادية في اليمن وسوريا: نجمت عن الغارات الجوية والقصف المتواصل الذي نفذته القوات الإسرائيلية وحلفاؤها.
9. اغتيال قادة إيرانيين ومستشارين عسكريين: استهدفت الهجمات عددًا من القادة الإيرانيين في لبنان وسوريا، بما في ذلك الشهداء العميد زاهدي، العميد حاج رحيمي، والعميد نيلفروشان.
10. الاعتداء على سيادة إيران الإسلامية في سوريا وإيران: شمل ذلك قصف القنصلية الإيرانية في سوريا، الهجمات الصاروخية على الأراضي الإيرانية، واغتيال إسماعيل هنية داخل إيران.
يبدو أن الخسائر البشرية والمادية التي لحقت بجبهة المقاومة ليست بالقليلة، خاصة في ما يتعلق باستشهاد قادة الصف الأول من حماس وحزب الله.
استعراض لإنجازات جبهة المقاومة
أما إنجازات جبهة المقاومة، فتتمثل في النقاط التالية:
1. فضح "إسرائيل" أمنيًا بفضل عملية "طوفان الأقصى": هذه العملية ألحقت بـ"إسرائيل" إذلالًا غير مسبوق، حيث قُتل عدد كبير من جنودها وأُسر عدد كبير من ضباطها وقادتها، وما زال هذا الانهيار مستمرًا حتى الآن.
2. إيقاف وتعليق مساعي التطبيع العربي مع "إسرائيل": تم تعطيل الجهود الحثيثة التي كانت تهدف إلى تطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني.
3. إلحاق خسائر مالية فادحة بـ"إسرائيل": بسبب الصواريخ التي أطلقتها المقاومة من غزة ولبنان، والخسائر المترتبة على توسع نطاق الحرب، وتعطيل الموانئ، واستهداف السفن الإسرائيلية أو المتجهة نحوها في منطقة باب المندب ومحيطها.
4. تشريد مئات الآلاف من المستوطنين الإسرائيليين: أجبروا على النزوح عن منازلهم لأكثر من عام، مما أثار حالة من الذعر داخل المجتمع الصهيوني.
5. فقدان الأمن داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة: وبدء هجرة عكسية للمستوطنين الإسرائيليين نحو أوطانهم الأصلية، مما كشف زيف أسطورة "إسرائيل" التي لا تقهر.
6. إذلال "إسرائيل" لعجزها عن مواجهة حركة مقاومة صغيرة كحماس: برغم تفوقها العسكري والتكنولوجي الهائل.
7. هروب رؤوس الأموال وتوقف الاستثمارات في الأراضي المحتلة: مما أضعف الاقتصاد الإسرائيلي وأفقده الثقة داخليًا وخارجيًا.
8. إثبات قوة جبهة المقاومة: وإظهار قدرتها على التصدي للعدوان، مما عزز الثقة بالنفس ووحدة الصف بين أطراف المقاومة.
9. إظهار مظلومية وشرعية القضية الفلسطينية أمام العالم: عبر وحشية "إسرائيل" في قصف غزة ولبنان وارتكاب المجازر بحق المدنيين، مما جعل الاحتلال يُظهر دون قصد مشروعية المقاومة.
10. فضح الغرب والصهيونية أمام الرأي العام العالمي: من خلال استهدافهم العشوائي للمستشفيات، والمدارس، والملاجئ، مما كشف زيف شعارات حقوق الإنسان التي يتبناها الغرب.
11. توعية الشعوب بخداع الولايات المتحدة والدول الغربية: وفضح ادعاءاتهم الزائفة بشأن حقوق الإنسان.
12. خلق الانقسامات الداخلية داخل "إسرائيل": وتزايد الاحتجاجات الشعبية ضد حكومتها وسياساتها.
13. تعزيز الوحدة بين السنة والشيعة في الشرق الأوسط: خاصة في لبنان، مما أضعف مساعي الأعداء لإثارة الفتنة المذهبية.
14. ترسيخ روح الجهاد والمقاومة بين المسلمين: مما جعل المقاومة أكثر قوة واستمرارية.
15. تغيير مواقف العديد من الدول والحكومات نحو دعم القضية الفلسطينية: واتخاذ مواقف معارضة للإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني.
16. إثبات حكمة واقتدار إيران الإسلامية: وكسر هيمنة الغرب و"إسرائيل" عبر عمليات نوعية مثل "الوعد الصادق".
17. تعزيز مكانة إيران وقائدها الأعلى (دام ظله): وزيادة شعبيتها بين الشعوب الإسلامية وأحرار العالم.
18. غرس قيم المقاومة والعدالة في أوساط الشباب الغربي، خاصة في الولايات المتحدة، عبر الرسائل الموجهة إليهم من القيادة الإيرانية.
19. تقارب الدول العربية مع إيران: مثل السعودية والإمارات ومصر، مما يشير إلى إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية.
20. تحول قادة المقاومة إلى رموز بطولية: مثل قادة فلسطين ولبنان، الذين أصبحوا نماذج للشجاعة والنضال لدى الشباب.
21. إدانة شخصيات إسرائيلية وأمريكية دوليًا: مثل نتنياهو وبايدن، وبدء إجراءات محاكمتهما في محكمة لاهاي.
22. فضح الحكومات العميلة مثل تركيا والأردن والسعودية: وكشف نفاقها أمام شعوبها.
23. إبراز التضحيات الشعبية لدعم غزة ولبنان: عبر الحملات الشعبية مثل حملة "إيران همدل".
على الرغم من إمكانية سرد إنجازات أخرى، إلا أن مراجعة ومقارنة هذه الإنجازات تظهر بوضوح أن مكاسب جبهة الكفر والصهيونية لا تخرج عن نوعين: إما خسائر مادية أو خسائر بشرية. لا شك أن هذين النوعين من الخسائر قد أثّرا بشدة على جبهة المقاومة، ولكن من الجدير بالذكر أن الفراغ الناتج عن الخسائر البشرية قد تم ملؤه بسرعة، حيث حلّ المجاهدون العظماء محل الشهداء دون أن يترك ذلك أي أثر من ضعف أو وهن في صفوف المقاومة. أما الخسائر المادية، فمن المتوقع، إن شاء الله، أن تُعوَّض في فترة زمنية محددة بعد انتهاء الحرب.
لكن إنجازات جبهة المقاومة، بالإضافة إلى الخسائر المالية والبشرية التي ألحقتها بالعدو، كانت ذات طبيعة سياسية، ثقافية واجتماعية تفوق أي قيمة مادية. بمعنى آخر، رغم أن الخسائر البشرية لجبهة الكفر كانت أقل بكثير، إلا أن قدرة المقاومة على تعويض خسائرها جعلت الخسائر التي تكبّدها العدو غير قابلة للتعويض، بل تتفاقم يومًا بعد يوم. ومع مرور الوقت، تنهار هيبة العدو ويتكشف وجهه القبيح أكثر أمام العالم، مما يدفع كل منصف للاعتراف بهزيمة جبهة الكفر والصهيونية.
لا شك أن مؤامرات أعداء الإسلام ستصبح أقل تأثيرًا، وأن شعوب العالم باتت أكثر وعيًا بما يجري. وفي النهاية، ستظل المقاومة الإسلامية أكثر قوة واقتدارًا، قادرة على تعزيز مكانتها، متطلعة إلى مستقبل أكثر إشراقًا.
نسأل الله أن يتحقق تحرير القدس وزوال الكيان الصهيوني المجرم، وكذلك انهيار الإمبريالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة.
محمد تقي سبحاني نيا
الأستاذ المشارك في جامعة القرآن والحديث
ومدير مجمع حوزة "مشكاة"
المصدر: وكالة أنباء الحوزة